المجلات الوهمية هي منشورات تدعي أنها مجلات علمية شرعية، لكنها تحرف ممارسات النشر الخاصة بها.
أنت كباحث عند نهاية مطاف مشروعك البحثي تسعى لنشر بحثك لكي تحقق ما تصبو اليه، بان تنتج معرفة جديدة للعالم لكي يصبح مكان أفضل للحياة، ومن أهم خطوات نقل معرفتك والمصادقة عليها بالأوساط العلمية من خلال التقييم والتحكيم هو النشر بالدوريات العلمية الموثوقة. لكي تحقق هذا الهدف، يجب عليك حين إعداد البحث المراد نشره اختيار المجلة المناسبة التي تود النشر بها. لكن وأنت تقوم بالاختيار، لا تنسى أن تتأكد بان هذي المجلة موثوقة وشرعية وليست وهمية.
إن النشر في المجلات الوهمية ظاهرة شائعة في الأوساط البحثية وقد يترتب عليها العديد من العقبات التي ممكن أن تعرقل عجلة التقدم البحثي العلمي مما لها من تبعات تؤدي إلي ضعف جودة البحث المنشور. فهي تعتمد على الجشع المالي فمن يملك المال يستطيع أن يدفع للنشر. وقد يواجه الباحثون الذين لم ينشروا خمسة أوراق علمية أو أكثر مشكلة النشر بالمجلات الوهمية، وهذا ناتج عن قلة الخبرة بالنشر العلمي. فما عسانا أن نفعل لكي نتجنب هذه المشكلة ؟
ماهي المجلات الوهمية؟
بادئ ذي بدء تُعرف المجلات والناشرون الوهميين من قبل نيتشر بأنهم كيانات تعطي الأولوية للمصالح الذاتية على حساب الباحثين وتتميز بنشر معلومات خاطئة أو مُضللة ، وتسعى إلى الانحراف عن أفضل ممارسات التحرير والنشر، وانعدام الشفافية.
كيف أستطيع التمييز بين المجلة ودور النشر الموثوقة و الوهمية؟
كباحث إن معرفة المجلة الموثوقة من الوهمية تتم بسهولة من خلال عشرة قواعد، ولعل من أهمها القاعدة الأولى : وهي أن تكون حذراً ، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالدعوات غير المرغوب فيه! كم مرة في الشهر تتلقى بريدًا إلكترونيًا غير مرغوب فيه يحتوي على دعوات للنشر في مجلة لم تسمع بها من قبل؟ اسأل نفسك ..هل تبدو الدعوة مهنية وشرعية؟ هل مجالات خبرتي تطابق أهداف ونطاق المنشور بالمجلة؟ هل الوقت المستغرق المقترح لتقديم خدمة مراجعة الأقران معقول؟ إذا أجبت بـ "لا" على أي من هذه الأسئلة، فتراجع عن النشر فوراً.
القاعدة الثانية: هي تقييم محتوى المجلة عندما تتصفح الموقع الإلكتروني، ابحث عن علامات المصداقية، فالناشرون الشرعيون يقدمون خدمات تسهل الوصول إلى محتوى منشوراتهم. اقرأ بعض المقالات في المجلة لتقييم الدقة العلمية وما إذا كانت المحتوى المنشور ذات صلة بنطاق ومهمة المجلة. عندما تكون في شك أطل القراءة لكي يصح لك الحكم على محتواهم. لابد أن تبحث عن أرشيف للأعداد السابقة للمجلة المستهدفة، وكذلك تقييم إمكانية سهولة الوصول اليها. ابحث عن المقالات "الغير متسقة مع مجال المجلة البحثي" والتي يكون الغرض منها لا يمت لمجالها بصلة، وعن المقالات التي تظل غير منشورة، أو التي تم وضع علامة عليها على أنها "ستتوفر قريبًا". إذا كانت المقالات تحتوي على العديد من الأخطاء والأخطاء الإملائية وذات جودة رديئة، فتلك دلالة على أن المجلة وهمية، فالمجلات الموثوقة تقوم بالتدقيق في المراجعات لتجنب تلك الأخطاء قبل النشر وتسعى لعدم نشر أي ورقة تحتوي على أخطاء.
القاعدة الثالثة: تَحقق من رسوم النشر فلابد أن تكون موجودة على صفحة المجلة، المجلات التي لا تنشر رسومها يجب أن ينظر إليها بحذر. فالشفافية سمة تتميز بها المجلات الشرعية عن الوهمية، فالمجلات الشرعية توضح جميع الرسوم قبل تقديم المادة العلمية للنشر. بعض المجلات الشرعية تتقاضى رسومًا مقابل الوصول المفتوح ، ولكن جرت العادة على تقديم إعفاءات للباحثين من البلدان منخفضة إلى متوسطة الدخل أو الذين يُظهرون الحاجة المالية. بالإضافة إلى ذلك، بعض المؤسسات تتولى دفع التكاليف عن الباحث، مثل رسوم النشر، لدعم الوصول العام إلى نتائج البحث. فما عليك أن تتأكد بان المجلة التي تعفيك من رسوم النشر هي مجلة مسجلة بالدليل المنظمة (DOAJ)، وهي منظمة دليل المجلات ذات الوصول المفتوح التي تقدم رسوم النشر مجاناً وتتيح البحث المنشور إلكتروني للقراء. وتهدف إلى حصر دوريات الوصول المفتوح إلى دفع الناشرين والمحررين إلى تنفيذ أفضل الممارسات في بيئة الوصول المفتوح (الحر)، ولابد أن تتوفر شروط الدليل في أي مجلة ترغب بالانضمام اليه. كن حذراً غالبًا ما تتفاخر المجلات الوهمية بالعضوية في هذي المنظمات ذات السمعة الطيبة مثل المنظمة (DOAJ)، و (COPE) لجنة أخلاقيات النشر وغيرها من المنظمات.
القاعدة الرابعة: تفَّحص معايير مراجعة الأقران بدقة فهي أحد المكونات الرئيسية لضمان تطبيق الأخلاقيات المهنية على عملية تقييم جودة المحتوى. سواءً كانت المجلة تستخدم نظام المراجعة مجهول، أو معلوم من يقوم بها، أو أي طريقة أخرى. تَّحقق من أن عملية المراجعة محددة واضحة. وأن المدة النموذجية لمراجعة الأقران تطابق البروتوكولات المتعارف عليها ،تأكد من وجود إجراءات للتعامل مع التحيزات وتضارب المصالح. حيث أن المجلات ذات السمعة الطيبة لديها سياسات معمول بها لمعالجة سوء السلوك البحثي المزعوم.
القاعدة الخامسة: اهتم بالبحث عن "هيئة التحرير" للمجلة. المجلات الموثوقة توضح رئيس التحرير وأعضاء هيئة التحرير والانتماءات المؤسسية الخاصة بهم. و تحقق بالبحث السريع من مواقع الويب أو السير الذاتية المهنية الخاصة بأعضاء هيئة التحرير لتأكيد مشاركتهم في المجلة وتوافق خبراتهم مع نطاق المجلة. لذلك غالبًا ما تسرد المجلات المزيفة العلماء دون إذن منهم. لا تترد بأن تلقي نظرة على الملفات الشخصية الخاصة لهؤلاء العلماء على منصة لينكد إن (LinkedIn) أو المؤسسات التي يعملون بها ، أو وسيلة أخرى تراها مناسبة للتأكد من صحة تلك المعلومات حول انضمامهم لهيئة التحرير. إذا لم يكن كذلك، ابتعد عن النشر بها. احرص على عدم وضع افتراضات حول شرعية المجلة بناءً على عوامل مثل المكانة المؤسسية للمحررين أو الموقع الجغرافي حتى في حال معرفتك الشخصية بأحدهم.
القاعدة السادسة: اكتشف اسم القاعدة التي تفهرس المجلة، ضع في اعتبارك ما إذا كانت المجلة مفهرسة في قواعد بيانات ذات سمعة طيبة وموضوعية مناسبة. مثال على القواعد المتعارف عليها ، مثل (MEDLINE ، Redalyc، Web of Science،Scopus ) وغيرها من القواعد العلمية المعتمدة ، وتجدر الإشارة إلى أن غياب مجلة من الفهرسة بالقواعد لا يعني بالضرورة أنها وهمية ، ولكنه ادعاء كاذب بالإدراج من ناحية أخرى يُعد مؤشراً على عدم المصداقية. تحقق من عنوان URL الخاص بالمجلة ومواقع الناشرين بعناية، واحذر من المواقع المزيفة التي تحاكي المجلات ذات السمعة الطيبة.
القاعدة السابعة: تحقق من صحة المعايير العالمية الخاصة بالمجلة الموثوقة. مثل عامل تأثير المجلة (JIF، SCImago's Journal & Country Rank). على سبيل المثال ، إذا ادعت المجلة بأن لديها (JIF) فهي تتدعي فهرستها في قاعدة البيانات العلوم التابعة لمؤسسة ، (Web of Science). فإذا كان لديك حق الوصول إلى تلك القاعدة، يمكنك التحقق من خلال (Journal Citation Reports) من صدق المجلة. مقاييس حساب معدلات الاقتباس، (SCImago's Journal & Country Rank) هو مقياس للتأثير العلمي للمجلات العلمية، والذي يفسر كل من عدد الاقتباسات التي تتلقاها إحدى المجلات وأهمية أو مكانة المجلات التي تأتي منها مصدر الاقتباسات. أو أي المقاييس أخرى. ابحث عن أمين مكتبة في أي منشأة بحثية لطلب المساعدة منه، وذلك لخبرته بمعايير المجلات البحثية المفهرسة بالقواعد العلمية.
القاعدة الثامنة: تعرف على دار النشر التي تقوم المجلة بنشر تحت اسمه، ابحث عن العنوان الفعلي وجهة التواصل بها. فالمجلات الموثوقة تتميز بانها توفر كل تلك هذي البيانات مدرجة على الصفحة التعريفية لها. فأذا لم تتوفر دار نشر معروفة، ابتعد عن النشر بها. في حالة وجود مجلة جديدة ليس لديها المعايير المجلة السابق ذكرها، يفضل أن تكون المجلة تحت اسم ناشر معروف لمزيد من ترسيخ المصداقية.
القاعدة التاسعة: كما ركز عليها العلماء لا تقل ليس لدي وقت كافٍ ولا يتوفر لدي معلومات حول شرعية المجلة او دار النشر التي أريد النشر فيها. انتبه لا تقوم بتجاهل علامات التحذير! أو تقوم باختصار تقييمك لمكان محتمل نشر البحث الخاص بك ليست فكرة جيدة. مثال على ذلك، تم حذف قائمة بيل المثيرة للجدل في عام 2017، وقد تم إحياؤها مؤخراً من قبل مجموعة مجهولة وشخص آخر مجهول. لذلك لا تعتمد على قائمة واحدة مجهولة أو موقع لاتخاذ القرار بمصير النشر لبحثك. فنحن الان نشهد تسارع في النشر البحثي، فما عليك ألا تعتمد على قوائم معينة لربما كانت قديمة أو متحيزة. يجب التأكد إذا المجلة موثوقة وليست وهمية من خلال قائمة تشمل قائمة المعاير السابق ذكرها لكي تساعدك على قرار النشر. ولابد أن نتأكد من أن المجلة ليست لديها نية الخداع، قد يكون من الصعب التمييز بين مجلة وهمية ومجلة تفتقر إلى الموارد. يمكن أن يكون كلاهما منخفض الجودة، لكن الأخير ليس لديه نية للخداع.
القاعدة العاشرة: لا تبالغ لا تدع ضغوط النشر تطغى على تقييمك لمصداقية المجلة، فمثلا يعاني الباحثون من ثقافة النشر أو الفناء، والافتقار إلى الوعي بالنشر الوهمي، وصعوبة التمييز بين المجلات الشرعية و الغير الشرعية. فلا تسارع بالحكم على مجلات بانها وهمية إما لأنها جديدة أو غير مألوفة او لا تنتمي لدار نشر معروفة دون التحقيق في جميع ما ذُكر أعلاه من معايير، حيث أن الحكم على تلك المجلات ليس بالأمر الهين لما يترتب عليه من أضرار.
الخلاصة
هدفك الأسمى هو نشر المعرفة ولكي توثق معرفتك لابد أن تشاركها مع الآخرين ليتم الاستفادة منها، ولكن يُفضل أن يكون ذلك من خلال مصادر موثوقة تضمن حق الوصول اليها، لكي تساعدك في رفع جودة ما تقوم بإنتاجه للعالم. كن يقظاً! النشر في المجلات الوهمية يشكك في مصداقية ما تنشره، وقد أصبحت تهديداً عالمياً على الأوساط الاكاديمية فهي أكبر مصدر لهدر الموارد. العمل على الحد من تلك الظاهرة عمل جماعي يتطلب تضافر جهود الباحثين والمؤسسات البحثية لكي يتوارى حدوثه.
المراجع :
1. Grudniewicz, A., Moher, D., Cobey, K. D., Bryson, G. L., Cukier, S., Allen, K., Ardern, C., Balcom, L., Barros, T., Berger, M., Ciro, J. B., Cugusi, L., Donaldson, M. R., Egger, M., Graham, I. D., Hodgkinson, M., Khan, K. M., Mabizela, M., Manca, A., Milzow, K., … Lalu, M. M. (2019). Predatory journals: no definition, no defence. Nature, 576(7786), 210–212. https://doi.org/10.1038/d41586-019-03759-y
2. Leonard, M., Stapleton, S., Collins, P., Selfe, T. K., & Cataldo, T. (2021). Ten simple rules for avoiding predatory publishing scams. PLoS computational biology, 17(9), e1009377. https://doi.org/10.1371/journal.pcbi.1009377
Comments